آمنة عبد العزيز
تحشرجت بين صوتها (الآه) واغرورقت عيناها بالدمع متساقطة قطرات منها أشتياقاً على فراق ولديها أحمد وحسين وهي تردد (الدار دونهم تلفهه الوحشة).
تحشرجت بين صوتها (الآه) واغرورقت عيناها بالدمع متساقطة قطرات منها أشتياقاً على فراق ولديها أحمد وحسين وهي تردد (الدار دونهم تلفهه الوحشة).
ام احمد امرأة خمسينية تتمتع بملامح أمهاتنا يفيض وجهها بالحنان والطيبة، لايخلو من التساؤلات واللهفة على فراق الابناء ومتى يعودون؟ وهي كغيرها من الأمهات العراقيات اللواتي اجبرتهن ظروف البلد على الفراق (الأجباري) واختيار (الغربة) وطنا آمن لابنائهن حتى أشعار آخر.
ـ كنت أتمنى أن لايغادرا العراق ويبقان الى جانبي بهذه الكلمات بدأت أم احمد حديثها المملوء بالاسى وقالت: الوضع الأمني وعمليات القتل والأختطاف التي طالت الشباب على وجه الخصوص هي التي دفعتني أن اختار لهم البعد عني خارج العراق.
الشباب يختلفون عن الفتيات فهم اكثر نشاطا وحركة ولايمكن ان يكونوا حبيسي البيت وملازمته لاوقات طويلة، فاحمد يعمل في احدى الشركات الخاصة وتعرضت الشركة الى عملية سطو مسلح راح ضحيتها عدد من العاملين فيها، ليكون هذا بداية جرس أنذار لأحمد كي يفكر في الهجرة، أما ولدي حسين ومازال الحديث لأم احمد فهو طالب في السنة الثالثة في كلية القانون وكما تعرفون استهداف الجامعات والاساتذة من قبل الأرهابيين، عطل الحياة الدراسية وتذبذبها، لهذه الاسباب قررنا أن يغادرا على الاقل في هذا الوقت وحينما تكون هناك بوادر أنفراج فسوف يعودان الى احضان الوطن، أنا اتحرق شوقاً لضمهم الى صدري بعد سنتين من الفراق، يخفف من لوعتي ولهفتي سماع أصواتهم عبر الهاتف.. (أمي نحن بخير والحمد لله) .
الشباب هم المستهدفون أولاً
لكن حكاية زهرة ام وسام مختلفة فهذه المرأة لم تنجب ألا ولداً واحداً أدخرته لسنوات عمرها الآتية لتكرس حياتها له بعد أن فقدت زوجها في أحدى الحروب التي مر بها العراق، وتخرج وسام من كلية طب الأسنان وبدأ يمارس التطبيق في احدى المستشفيات القريبة من سكناهم، وفي احد الايام واثناء عودته الى المنزل أستوقفته سيارة وترجل منها مسلحون وتحت تهديد السلاح قالوا له هات ماعندك من نقود ومولك؟!
اعطاهم كل مالديه دون تعليق وحمد لله على أنه ليس هو المستهدف كطبيب اسنان.لذا قررت ام وسام وعلى وجه السرعة ان تجهز لابنها حقيبة السفر بيدها مرغمة للحفاظ على حياة وحيدها. تتنهد زهرة ام الطبيب وسام وتقول:
باتت الايام متشابهة دون لون أو طعم وهو بعيد عني كان يملأ حياتي ويحيطني بالحب مثلما أحيطه به.
أحاول أن اصبر نفسي على فراقه وعزائي الوحيد انه سيكون في مأمن من الاحداث هنا، وهو الآن ينتظر منذ وقت ليس بالقصير في احدى الدول المجاورة من اجل الحصول على اجراءات السفر الى بريطانيا ومن خلال الدعوة التي وجهها له خاله المقيم في لندن وهكذا هو ينتظر وينتظر، وكما يقولون (ماباليد حيلة) فالانتظار والصبر امران احدهما (امر) من الآخر.
((الفرح المؤجل))
أما حكاية ام عمر فهذه الام العراقية كانت فرحتها لاتوصف وهي تتهيأ لاتمام مراسيم الزفاف لولدها البكر (عمر)، وكما تقول: كل شيء كان قد تم من مستلزمات العرس ولم يبق الا ليلة الزفاف، وهكذا ذهب ولدي كي يقوم بحجز غرفة في احد فنادق بغداد ولكنه تأخر ولم يعد راودني القلق والخوف لاتصل على هاتفه النقال دون رد منه كررنا المحاولة ليأتي صوت غريب يقول ابنكم (مخطوف)! لتبدأ عملية المساومة على مبلغ الفدية، وجمعنا مايمكن من الاموال حتى اضطرت عروسه لبيع حليها الذهبية وغرفة النوم الخاصة بها كي نامن المبلغ الفدية)، ومن ثم يعود الينا بعد اسبوع من المعاناة والقلق على حياته، عاد د رحاله ويحمل اشياءه البسيطة وياخذ عروسه، ويرحل الى بلاد الغربة ويترك من ورائه اهله واصدقائه وفرح مؤجل لم يكتمل وحلم بالعودة باسرع وقت للام والوطن.
ويبقى الأمل
كانت محطتنا الأخيرة عند أعتاب امرأة اخرى اختطف (الغدر) من امام عينيها احد أبنائها الثلاثة في احدى الانفجارات كل لها ذلك ألماً نفسياً لم تتجاوزه بعد، وام عمار وهذه كنيتها تقول: الأولاد جزء من القلب، وعندما يتعرض هذا الجزء لاي وجع او الم يتأثر الجسد كله ويفقد من حيويته ونشاطه، وها أنا اشعر انني مثقلة بحزن الدنيا كله لفراق ولدي (عمار) لذا لم يبق امامي الا ان (اسفر) ولدي الاخرين احسان وسعد الى بلد مجاور كي أحافظ على حياتهما وكي لااخسرهما ايضاً، وتتحدث بالم الام قائلة فراقهم جعلني اكبر مئة عام من السنين، هاهي السنة الثانية وهم بعيدان عني يعانيان من الغربة وقلة فرص العمل أولادنا بحاجة لنا مثلما نحن بحاجة اليهم، وتتساءل ام عمار ما الذنب الذي أقترفناه كي نتحمل كل هذا الألم والفراق عن اولادنا؟
أما آن الأوان أن تنطوي هذه الصفحة من حياتنا؟ ونعيش الامل بدلاً من الألم، والحياة بدلاً من الموت، أني أتوق للحظة أن يضع أبني راسه في حجري وأمسد بيدي على رأسه دون خوف من الآتي.
تبقى حكايات الامهات والابناء والغربة فيها من اللواعج وفيها من الصبر ومن الدروس الكثير وفي بلدنا الحبيب الموغل بالحب، هناك من القصص مايصلح ان تكون افلاماً ومسلسلات تحكي معاني المطاولة على الألم والصبر، وامهات لاتتشابه مع الأمهات في مكان آخر تضم بين جنباتها الحب والقوة والانتظار بعودة الابناء الامل..
ـ كنت أتمنى أن لايغادرا العراق ويبقان الى جانبي بهذه الكلمات بدأت أم احمد حديثها المملوء بالاسى وقالت: الوضع الأمني وعمليات القتل والأختطاف التي طالت الشباب على وجه الخصوص هي التي دفعتني أن اختار لهم البعد عني خارج العراق.
الشباب يختلفون عن الفتيات فهم اكثر نشاطا وحركة ولايمكن ان يكونوا حبيسي البيت وملازمته لاوقات طويلة، فاحمد يعمل في احدى الشركات الخاصة وتعرضت الشركة الى عملية سطو مسلح راح ضحيتها عدد من العاملين فيها، ليكون هذا بداية جرس أنذار لأحمد كي يفكر في الهجرة، أما ولدي حسين ومازال الحديث لأم احمد فهو طالب في السنة الثالثة في كلية القانون وكما تعرفون استهداف الجامعات والاساتذة من قبل الأرهابيين، عطل الحياة الدراسية وتذبذبها، لهذه الاسباب قررنا أن يغادرا على الاقل في هذا الوقت وحينما تكون هناك بوادر أنفراج فسوف يعودان الى احضان الوطن، أنا اتحرق شوقاً لضمهم الى صدري بعد سنتين من الفراق، يخفف من لوعتي ولهفتي سماع أصواتهم عبر الهاتف.. (أمي نحن بخير والحمد لله) .
الشباب هم المستهدفون أولاً
لكن حكاية زهرة ام وسام مختلفة فهذه المرأة لم تنجب ألا ولداً واحداً أدخرته لسنوات عمرها الآتية لتكرس حياتها له بعد أن فقدت زوجها في أحدى الحروب التي مر بها العراق، وتخرج وسام من كلية طب الأسنان وبدأ يمارس التطبيق في احدى المستشفيات القريبة من سكناهم، وفي احد الايام واثناء عودته الى المنزل أستوقفته سيارة وترجل منها مسلحون وتحت تهديد السلاح قالوا له هات ماعندك من نقود ومولك؟!
اعطاهم كل مالديه دون تعليق وحمد لله على أنه ليس هو المستهدف كطبيب اسنان.لذا قررت ام وسام وعلى وجه السرعة ان تجهز لابنها حقيبة السفر بيدها مرغمة للحفاظ على حياة وحيدها. تتنهد زهرة ام الطبيب وسام وتقول:
باتت الايام متشابهة دون لون أو طعم وهو بعيد عني كان يملأ حياتي ويحيطني بالحب مثلما أحيطه به.
أحاول أن اصبر نفسي على فراقه وعزائي الوحيد انه سيكون في مأمن من الاحداث هنا، وهو الآن ينتظر منذ وقت ليس بالقصير في احدى الدول المجاورة من اجل الحصول على اجراءات السفر الى بريطانيا ومن خلال الدعوة التي وجهها له خاله المقيم في لندن وهكذا هو ينتظر وينتظر، وكما يقولون (ماباليد حيلة) فالانتظار والصبر امران احدهما (امر) من الآخر.
((الفرح المؤجل))
أما حكاية ام عمر فهذه الام العراقية كانت فرحتها لاتوصف وهي تتهيأ لاتمام مراسيم الزفاف لولدها البكر (عمر)، وكما تقول: كل شيء كان قد تم من مستلزمات العرس ولم يبق الا ليلة الزفاف، وهكذا ذهب ولدي كي يقوم بحجز غرفة في احد فنادق بغداد ولكنه تأخر ولم يعد راودني القلق والخوف لاتصل على هاتفه النقال دون رد منه كررنا المحاولة ليأتي صوت غريب يقول ابنكم (مخطوف)! لتبدأ عملية المساومة على مبلغ الفدية، وجمعنا مايمكن من الاموال حتى اضطرت عروسه لبيع حليها الذهبية وغرفة النوم الخاصة بها كي نامن المبلغ الفدية)، ومن ثم يعود الينا بعد اسبوع من المعاناة والقلق على حياته، عاد د رحاله ويحمل اشياءه البسيطة وياخذ عروسه، ويرحل الى بلاد الغربة ويترك من ورائه اهله واصدقائه وفرح مؤجل لم يكتمل وحلم بالعودة باسرع وقت للام والوطن.
ويبقى الأمل
كانت محطتنا الأخيرة عند أعتاب امرأة اخرى اختطف (الغدر) من امام عينيها احد أبنائها الثلاثة في احدى الانفجارات كل لها ذلك ألماً نفسياً لم تتجاوزه بعد، وام عمار وهذه كنيتها تقول: الأولاد جزء من القلب، وعندما يتعرض هذا الجزء لاي وجع او الم يتأثر الجسد كله ويفقد من حيويته ونشاطه، وها أنا اشعر انني مثقلة بحزن الدنيا كله لفراق ولدي (عمار) لذا لم يبق امامي الا ان (اسفر) ولدي الاخرين احسان وسعد الى بلد مجاور كي أحافظ على حياتهما وكي لااخسرهما ايضاً، وتتحدث بالم الام قائلة فراقهم جعلني اكبر مئة عام من السنين، هاهي السنة الثانية وهم بعيدان عني يعانيان من الغربة وقلة فرص العمل أولادنا بحاجة لنا مثلما نحن بحاجة اليهم، وتتساءل ام عمار ما الذنب الذي أقترفناه كي نتحمل كل هذا الألم والفراق عن اولادنا؟
أما آن الأوان أن تنطوي هذه الصفحة من حياتنا؟ ونعيش الامل بدلاً من الألم، والحياة بدلاً من الموت، أني أتوق للحظة أن يضع أبني راسه في حجري وأمسد بيدي على رأسه دون خوف من الآتي.
تبقى حكايات الامهات والابناء والغربة فيها من اللواعج وفيها من الصبر ومن الدروس الكثير وفي بلدنا الحبيب الموغل بالحب، هناك من القصص مايصلح ان تكون افلاماً ومسلسلات تحكي معاني المطاولة على الألم والصبر، وامهات لاتتشابه مع الأمهات في مكان آخر تضم بين جنباتها الحب والقوة والانتظار بعودة الابناء الامل..